ترجمة : أيمن بنحميدة .. فريق عمل مترجم
تتكون ذرات أجسامنا من الكترونات و بروتونات و نيوترونات، و يمكن تقسيم البروتونات و النيوترونات أبعد من ذلك إلى كواركات. ففي الواقع، نحن نتكون من نوعين من الجسيمات : الكترونات و كواركات. و لكن ماذا تعني هذه التسميات ؟ و لماذا نقول أن الالكترونات و الكواركات مختلفة عن بعضها البعض ؟
بما أن الجسيمات لا تأتي مرفقة بأسماء فإن علينا أن نحددها حسب نوعية تآثراتها. يشبه ذلك فهرسة الحياة البرية في قارة جديدة. فقد يبدو كل شيء غريبا ً لأول وهلة و لكن يمكن في النهاية تقسيم الأنواع إلى أنماط. حيث نجد بعض الحيوانات تقرقر و تتبختر فنسميها بطاً بينما يحمل بعضها الآخر فرواً و يبني سدوداً فنختار أن نسميها قنادس. و لما اكتشف الفيزيائيون العالم الميكروسكوبي لأول مرة، لاحظوا وجود نوعين أساسيين من التآثرات النووية، أحدها أقوى من الآخر بكثير. و إلى اليوم تسمى بالقوة الضعيفة و القوة الشديدة لأنه لا توجد تسميات أفضل.
و تقسم جسيمات المادة أيضا إلى قسمين : لبتونات و هدرونات و ترجع التسمية إلى الكلمات الإغريقية لصغير و كبير. و من اللافت للنظر، لا يبدو أن اللبتونات تتفاعل مع القوة الشديدة على الإطلاق بينما تخضع الهدرونات لها بصفة كلية. و بالرغم من أن اللبتونات، كالالكترون مثلا، باستطاعتها التحول إلى لبتونات أخرى – ميونات و تاوات و نيوترينوات – فالعدد الجملي لللبتونات في الكون يبدو ثابتا ً(مع حساب زائد واحد للبتون و ناقص واحد للبتون مضاد). و الشيء نفسه يصح على الكواركات، المكون الأساسي للهدرونات. قد يكون هناك سبب عميق لهذا التماثل و لكنه غير معروف حالياً .
إن التشابه بين اللبتونات و الكواركات يبرز أكثر حين نسعى لتصنيفها طبق تآثرها مع القوة الضعيفة. و يعتقد العديد من الفيزيائيين أن التماثل بين اللبتونات و الهدرونات ليس عارضاً و أنه لا بد من وجود علاقة بينهما بشكل ما. إذا صح ذلك فإنه من الممكن أن يوجد جسيم يكون مزيجاً من الاثنين “لبتوكوارك”. سيكون هذا صدمة مثلما حدث عند اكتشاف خلد الماء بطي المنقار فهو ثديي يضع بيضاً كالبط و يحمل فروا ً كالقندس.
يبحث الفيزيائيون عن اللبتوكواركات منذ سنين و لكن لم يتم العثور بعد على أحد منها. إن وُجدت فلا بد أن كتلتها أكبر مما وصلت إليه التجارب السابقة. و قد تسمح اللبتوكواركات للمادة العادية بالانحلال العفوي وهو الأمر الذي لم يشاهد إلى حد الآن. إذا كانت كتلة اللبتوكواركات أكبر فإن التقلبات في المادة العادية لن تسمح بالوصول إليها إلا بصفة نادرة و سيكون الانحلال نادراً إلى درجة عدم ملاحظته. كل هذه الاعتبارات تشير إلى مستوى الطاقة العالية و بذلك فإنه من الجدير البحث عن اللبتوكواركات في مصادم الهدرونات الكبيرذي أقوى طاقة في العالم.
بحث أعضاء اللولب المركب للميون في كل المعطيات المتراكمة عام 2011، و التي تمثل حوالي 500 بليون تصادمات بروتون-بروتون. و قد كانوا يبحثون عن الأحداث التي تنتج فيها طاقة التصادم لبتوكوارك ولبتوكوارك مضاد، ينحل كل واحد منهما خلالها إلى لبتون و كوارك (أو إلى مقابليهما المضادين). و تترك بعض اللبتونات، كالالكترون مثلا، أثراً واضحا ًفي المكشاف بينما البعض الآخر، كالنيوترينو، لا تمكن للمكشاف رؤيته و يجب استنتاجه من الخلل في الحطام. فالكوارك ينتج دائماً وابلا من الجسيمات يعرف باسم “النافورة”.
و قد كشف البحث عن حفنة من الأحداث بهذه الخصائص و لكن ليس بأكثر مما هو متوقع من العمليات الفيزيائية المعروفة. و لذلك فإن هذه النتيجة تضبط حدوداً صارمة حول كتلة اللبتوكواركات. و المكشاف في طور دراسة المعطيات المتراكمة عام 2012 و التي كانت فيها طاقة تصادم البروتونات أكبر مما يسمح بإنتاج لبتوكواركات ذات كتلة أكبر إن كانت موجودة.
لنا أن نتساءل لماذا ننقب في جبل من المعطيات بحثا ً عن جسيم يمكن أن لا يوجد ؟ “لأنه من المحتمل أن يكون هناك” كما يقول جورج مالوري.
تدقيق : هنادي العنيس فريق عمل مترجم
نقاش
Powered by Facebook Comments