ترجمة Yazan Ebrain فريق مترجم
تدقيق Hanadi Uneisi
ربما عشت هذه اللحظة من قبل. ربما ترى نفس من بعد, و على غير العادة. التجارب الشاذة شيء حقيقي و له القدرة على تغيير الحياة أحياناً. هذا لايعني أن هذه التجارب تحصل خارج عقلك.
الإحتمال الأكبر هو أنك في نقطة ما من حياتك, شعرت بأحد يحدق بك. ربما تكون في محل البقالة. أو ربما كنت تمشي على الرصيف, أو تجلس في الحافلة. و الشيء الأكيد هو أنك عندما استدرت لتنظر, وجدت عينين تحدقان بك. لقد مررت بتجربة شاذة.
عمل العقل الواعي هو أن يكون قصة من كل الأحاسيس و الانعكاسات. الحياة كما نختبرها ليست فقط عبارة عن أحداث و أفكار غير مترابطة, بل هي عبارة عن سرد مترابط يتفكك تدريجيا ً في كون منتظم. ولكن أحياناً نمر بتجارب لا تتلائم مع توقعاتنا أو حتى تناقض ما علمنا إياه العلم. و من خلال محاولتنا لتفسير هكذا ظواهر خارجية, نميل غالبا للجوء لقوى خارجية غير مثبتة. و نبدأ بالإيمان بالظواهر الخارقة.
التجارب الشاذة من هذا النوع تتدرج من الإحساس بشعور غريب يسيطر على الغرفة و حتى الشعور بأنك خارج جسدك. غالبا ًما نفسر تجارب كهذه مستعملين مفاهيم مرتبطة بالأرواح, الحظ, السحر, القوى النفسية, طاقة الحياة, أو بكيانات أرضية أو لا أرضية. تبريرات كهذه تكون غالبا ً أكثر جاذبية, أو على الأقل بديهية أكثر من إلقاء مسؤولية تجربة غريبة على عاتق خدع العقل.
واحدة من أكثر التجارب الشاذة حدوثاً هي الشعور بأن أحدا ًيحدق بك. عندما ترى شخصا ًيحدق بك مباشرة, تبدأ المشاعر بالعمل, ربما تكون مشاعر حماس أو راحة أو انزعاج, هذه الشحنة الباطنية تعطي الإنطباع بأن هذا التحديق ينقل الطاقة. و فوق ذلك, إذا شعرت بعدم الراحة و استدرت لترى ما إن كان هناك شخص ما يحدق بك, حركتك ربما تثير اهتمام أحد ما لينظر, مما يؤكد شكوكك.
تجربة أخرى مألوفة و هي تجربة ( ديجافو : شوهد من قبل ) و هي ظاهرة يشهدها شخصان من كل ثلاثة أشخاص. و أغلبنا نتعامل معها كأنها حزقة عقلية. و طبعا,ً يقترح الباحثون أن هذا الشعور هو شعور بأن شيئا ما مألوف دون وجود سبب لأن يكون مألوفاً, أو ربما تكون مشكلة توقيت في الدماغ حيث تحس بالفكرة مرتين بسبب تأخير بسيط في التوصيل, مما يجعل الفاصل الزمني يحدث شعوراً غريبا بالتكرار. و رغم هذا يؤمن البعض بأن هذه التجربة هي لمحة من حياة ماضية.
و بينما قد تكون هذه التجارب الشاذة مرتبطة بظروف مجهدة, أو مرض معين أو عجزا ًمعرفياً, التجارب بذاتها قد لا تكون سيئة دائماً, و ربما تكون ظواهر صحية. و هي لا تعدو عن كونها محاولات من قبلنا للإحساس بموقف غريب. ففي النهاية, ليس هناك شيء يفضله العقل أكثر من قصة جيدة.
الصدف ذات المعنى
أليكس و دونا فوتسيناس كانا يتصفحان ألبومات الصور العائلة قبل أسبوع من زواجهما في عام 2002 عندما أثارت إحدى الصور انتباه أليكس.
في مقدمة الصورة كانت دونا ذات الخمس سنين, واقفة في عالم ديزني مع واحد من الأقزام السبعة. و خلفهم كان والد أليكس يدفع عربة أطفال. في داخل العربة كان يجلس أليكس. عائلة الصبي كانت في زيارة من كندا, و كان للطفلين أن يلتقيا بعد 15 عاما.ً عندما رأى تلك الصورة, قال أليكس بأنه “شعر برجفة, لقد كان الأمر أكبر من أن يكون صدفة, لقد كان قدراً”
تقريباً أي شخص سيشعر بنفس الرجفة في موقف مماثل, و لكن عموماً أقل من ذلك بكثير – كأن نسمع كلمة جديدة مرتين في ساعة واحدة, أو أن نلتقي بشخص يشاركنا بنفس يوم الميلاد – لنقف و نقول لأنفسنا كم أن هذا غريب.
لحظات كهذه تحدث عندما نحدد نمطا معينا, و هي قدرة (و إلزام) في داخل الدماغ من المراحل البدائية للإدراك. إيجاد الأنماط يجعلنا نحس بالمعلومات الحسية ( هذه القوائم الأربعة هي جزء من طاولة ) و يجعلنا نتنبأ بانتظام في بيئتنا ( التفاحة تسقط للأسفل و ليس للأعلى, و التفاح غالبا ً شهي, رمي التفاح على الناس يجعلهم غاضبين).
إيجاد الأنماط أمر مركزي في عملية البقاء و النجاح هو أن نجد هذه النماذج في كل مكان, حتى من خلال المعطيات العشوائية – ظاهرة تدعى الاستسقاط*
عندنا القدرة أن نحدد وجوها ًفي الغيوم و أن نسمع رسائل في التسجيلات التي يتم تدويرها بالمقلوب. و بينما نتوقع نظاما ًمعيناً ما في العالم, في بعض الأحيان قدرتنا على تحديد الأنماط تبتعد عنا و تقوم بصنع ارتباطات لا نتوقعها. عندما يحدث ذلك, نطالب أنفسنا, على الأقل على مستوى اللاوعي, بتفسير.
و كما اتضح, فإن النوع المفضل للتفسيرات دائما ًيتضمن “عميلاً”- قادرا ًعلى القيام بأفعال مقصودة. يمكن لهذا العميل أن يكون شخصاً, إلهاً, أو رجلا ًآليا ًخارق الذكاء. و نحن متحيزون في إلقاء مسؤولية حتى أبسط الأحداث على عاتق هذا العميل – تحديدهم يجعلنا قادرين على التعامل معهم في حال كونهم خطراً : فمن الأفضل أن تخطئ بغصن شجرة على أنه أفعى من أن تخطئ أفعى على أنها غصن شجرة.
إدراك الأنماط في اللاوعي يحدد تنوعا ًمن العمليات الآلية, متضمنا هذا الآليات التي نربطها بتوقعات دقيقة أو حاسة سادسة. الإحساس بالخطر في نطاق المواجهة أو أن “نعرف” بشكل مفاجئ أن شريكنا يخدعنا أو أن صديقة ما حامل هي أمثلة عن أنماط ركبناها بأكملها بشكل لاواعي. و الطريقة المفاجأة التي يصعد من خلالها هذا الاستنتاج إلى عقلنا الواعي تجعلنا نحس بهذا الشعور الباطني و كأنه وليد الاستبصار.
بعض الناس بارعون في تحديد الأنماط. خلال سعيه لقتل جون لينون, أكد مارك دافيد شابمان رؤية كل أنواع الصدف التي رآها كإشارات تدعوه للمتابعة. في إحدى المرات كان قادراً على تحديد أكثر من 50 ارتباطا ًبين هولدين كولفيلد في نيويورك في فيلم ذا كاتشر إن ذا ري مع حياته شخصياً قبل أن يقوم بالجريمة. ربما كان يعاني من السكيزوفرينيا, و هو مرض يتميز بنشاط زائد في تحويل الدوبامين, الناقل العصبي الذي يساعدنا أن نجد ارتباطات ذات معنى بين الأشياء. و لكن ذات الخاصية المفرطة بإيجاد الأنماط و التي تقوم بجعل بعض الأشخاص ينحرفون هي ذاتها التي تساعد أشخاصا آخرين ليكونوا خلاقين, حيث أن التبصر يتطلب السيطرة على الأفكار ذات الإرتباط البعيد.
أحد الطرق لتفسير نظام واضح هو أن تستدعي إشارة من “فوق” (أو مضايقة من فوق : هناك رجل أصيب منزله بست نيازك, و قد صرح لأحد الصحفيين : ” من الواضح أنه تم استهدافي من كائنات لا أرضية”). بعض الأنماط الأخرى تعير نفسها لنظرية المؤامرة. ( هناك علاقة مهمة بين الإيمان بالخوارق و المؤامرات).
إحدى السمات المهمة التي تتنبأ بالإيمان بنظرية المؤامرة هي البارانويا. عندما تكون مصابا ً بالبارانويا فأنت دائم البحث عن العملاء ( و من ضمن هذا العملاء السريين). و الواقع أن قليلا ًمن القلق شيء جيد, فهو يبقيك حذراً, و لكن مع الجرعات العالية ربما تجد نفسك تعيش في كوخ في الغابة. هناك سمة شخصية تدعى ” الإنفتاح على التجارب” و هي أيضا ًتمكن قناعات البارانويا. الأشخاص الذين ليس لديهم أي ثقة بالآخرين و لديهم عنف زائد قابلون أكثر ليكون لديهم شكوك بالسلطة. كما أن الأشخاص الذين لديهم مصدر خارجي للسيطرة عليهم و ليس لديهم دور كبير في التأثير على حياتهم, يميلون إلى إلقاء اللوم على أطراف آخرين, و من ضمن هذا القدر أو مجموعات سرية خفية.
سمة أخرى قد تكون مسؤولة عن الإيمان بالمؤامرات, القدر, و الحاسة السادسة, و هي الميل لتثق بحدسك. في إحدى الدراسات, المواضيع الحدسية أظهرت تفكيراً أكثر مرجعية, و هو الاقتناع بأن الآخرين يتحدثون عنك, أو أن الأحداث اليومية كتغير أضواء إشارات المرور تعنيك بشكل خاص.
الإيمان بالحدس تم ربطه مع أشكال أخرى من التفكير السحري أيضاً. عندما شاهد الأشخاص الحدسيون, الذين يتبعون إحساسهم الداخلي تسجيلاً عن نشاط خارق مزعوم, كالأطباق الطائرة أو الأشباح, فإن هؤلاء الأشخاص كانوا أكثر قابلية من مواضيع أخرى تحت الدراسة ليقولوا أنهم كانوا ليتفاعلوا عاطفيا ًلو شهدوا هذه الظواهر بأنفسهم. إحساسنا الداخلي, كما يبدو, يريدنا حقا أن نصدق.
القدرات الذهنية
أبيرفان هي بلدة في ويلز لم يسمع بها حتى في بريطانيا سوى القليل من الناس, حتى عام 1966, بعدها ضربت كارثة لاحقت أحلام الناس هناك, متضمنا هذا على ما يبدو, أحلاماً سبقا ً الحادث.
امتلأ منجم فحم في جبل مجاور بمياه الأمطار, و في صباح يوم 21 تشرين أول, حدث انزلاق في التربة اجتاح المدينة, ضارباً المدرسة و عدة بيوت. مات في الحادث 26 شخصا ًو 116 طفلاً.
طبيب نفسي اسمه جي.سي باركير قام بدعوة الأشخاص الذين راودتهم هواجس عن هذا الحادث. و تلقى إثر هذا العشرات من الرسائل تحدث أصحابها عن أحلام راودتهم عن انهيارات, أطفال, و اسم ابيرفان, أكثرها لفتا ً للنظر كان أبوين لطفلة ماتت في الحادث قالا أن الطفلة تحدثت عن حلم راودها قبل يوم واحد من موتها في الحادث : ” لقد رأت في حلمها أنها ذهبت للمدرسة و لكن لم يكن هناك مدرسة”, ” كان هناك شيء أسود نزل على المدرسة ليغطيها بأكملها”.
وفقاً لإستفتاء غولاب, اثنان من كل ثلاثة أمريكيين يعتقدون ب أو غير متأكدين من القدرات الفائقة للحواس, و هي فئة من الظواهر تتضمن الحدس, الرؤية عن بعد, و التخاطر.
لا يستطيع العلماء تفسير كل ظاهرة من الظواهر المزعومة للقدرات الفائقة للحواس, و لكنهم عرفوا قوى نفسية عامة تلعب دورها في هذا الموضوع. أحد هذه القوى هو الإهتمام الانتقائي. غالبا ً أنت تفكر في أحد أصدقائك كثيراً, و هم غالبا ًيتصلون بك كثيراً, و لكن عندما تتداخل هذه الأفكار و الاتصالات فإننا نلاحظ الصدفة, متجاهلين بهذا كل الأوقات التي لم تتداخل فيها هذه الأشياء.
عندنا أيضاً الذاكرة الغير موثوقة. أن تتخيل خبرة سابقة قد يكون أمرا ًكافياً ليخلق الإنطباع الكاذب بأن هذه التجربة حدثت حقاً, و لهذا فإن الذكريات عن الأحلام “الحدسية” يمكن لها أن تلوى لتلائم الحدث الذي يفترض أنها تنبأت به. وعندها تتدخل أنانيتنا أيضاً. الأبحاث تظهر أننا نجد صدفا تتضمننا أكثر بكثير مما نجد صدفا تدور حول آخرين, لأننا نشعر بأنفسنا مميز بشكل أو بآخر, ( أجل, أعرف, أنت حقا مميز).
ظاهرة أخرى تعتمد على الصدفة و هي االتحريك النفسي, أو العقل فوق المادة. الإنتعاش السريع في مبيعات كتاب “السر” و قانونه ” قانون الجذب” حيث يكفي لك أن تتخيل شيئا ًما لتجعله ينجذب إليك. يظهر كيف أننا متعطشون للإيمان بالتحريك النفسي. روندا بيرن, مؤلفة كتاب السر, تقول أنا تمكنت من شفاء عينيها و فقدت الوزن فقط عبر التفكير المتمني. الدراسة التي أجرتها عالمة النفس إيميلي برونين و زملائها أظهرت تحيزا ًفي تصديق السبب الذهني حتى بين طلاب الجامعات الكبرى في العالم. فقد كانوا مقتنعين أنهم سببوا آلاما ًفي الرأس لطلاب آخرين عبر ثقب دمى الفوودوو بدبابيس و أنهم أثروا في نتائج مباريات البيسبول فقط عبر مشاهدتها على التفاز و التركيز على اللعبة.
تجادل برونين بأن السببية العقلية الواضحة تعتمد على نفس القواعد التي نقيم عبرها السببية في أي مكان آخر, عادة, عندما يحدث الحادث آ قبل الحادث ب, إن لم يكن هناك أسباب أخرى واضحة لحدوث ب و إن كان أ و ب متماثلين بالمفهوم, يبدو لنا أن أ كان السبب وراء حدوث ب. هذه الطريقة في التفكير تطبق بشكل آلي, حتى لو كان الحدث أ عبارة عن فكرة لا أكثر.
و كأكثر أشكال القناعات الخوارقية, الأشخاص الذين لا يحسون بسيطرة على حياتهم يكونون أكثر قابلية للإيمان بالحدس, ربما بسبب أن الإيمان بهذه الهواجس يعني أن تعتقد بأن المستقبل معد مسبقا لأجلك, دونما تدخل منك.
بيتر بروغر, رئيس قسم علم النفس العصبي في مشفى زيوريخ الجامعي, وجد أن الأشخاص الأكثر قابلية للإقتناع و اختبار ظواهر العقل فوق المادة و الحدس هم من الأشخاص الأكثر قدرة على تحديد الأنماط. فهم أكثر قابلية على رؤية حروف عشوائية ككلمات و صور مختلطة كوجوه, وهم أسرع في قدرتهم على إيجاد كلمة تشكل جسراً خياليا ً بين كلمتين أخريين. اختبار القدرات الفائقة للحواس أو التحريك النفسي يتطلب أولاً رؤية ارتباط بين الأفكار و الأحداث.
الأشخاص الذين يبحثون أكثر عن الإحاسيس – الأشخاص الذين يبحثون عن المحفزات الشيقة و البدع – يسجلون أيضاً قناعات و خبرات أكثر في الماورائيات. ربما ينجذبون إلى فكرة أن العالم مسكون بقوى غامضة. و بهذا, فإن كون الشخص باحثاً عن الأحاسيس أو موحدا ًللأنماط يعني بأن هذا الشخص أكثر قابلية ليختبر صدفاً غريبة في المقام الأول, و أيضاً فهو أكثر قابلية لإيجاد تفسيرات غير تقليدية لهذه الصدف.
تجربة القرب من الموت – تجربة الخروج من الجسد
في الأول من شباط عام 2000, بام باريت كانت زعيمة الحزب الديمقراطي الجديد في ألبيرتا عندما ذهبت لتقابل طبيب أسنانها. طلبت من الطبيب أن يقوم بتركيب قشرة واقية لأسنانها, و لكن كان بانتظارها تجربة أكبر من هذا بكثير.
تعرضت باريت لردة فعل حساسية شديدة بفعل المخدر. أغلقت حنجرتها و لم تعد تستطيع التنفس, و أخبرت طبيبها بأنها سوف تموت, بعدها مرت بتجربة قرب من الموت حيث شعرت خلالها بأنها خرجت من جسدها و أنها تنظر إلى جسدها من أعلى. قام الطبيب بإجراء تنفس اصطناعي لها حتى أتت سيارة الإسعاف. و في المستشفى, مرت بالتجربة مرة أخرى. و عندما “عادت” شعرت بأن الله يضربها على صدرها و يقول لها أن تتخذ طريقا ًجديدا ًفي حياتها. في اليوم التالي قامت باريت بالدعوة لمؤتمر صحفي و استقالت من العمل في السياسة.
هناك ما بين 6 إلى 12 بالمئة من المصابين بتوقف القلب أبلغوا عن مرورهم بتجارب القرب من الموت, و لكن هذه التصورات يمكن أن تنتج أيضا ًعن الصدمات, الخوف, أو العقاقير المخدرة, أو حتى بدون أي سبب ظاهر. الآليات العقلية المقترحة لتفسير هذه الظاهرة تتضمن معدلات عالية جدا ًأو منخفضة جدا ًمن الأوكسجين الواصل إلى الدماغ, أو معدلات عالية من ثاني أوكسيد الكربون, أو انسدادا في مستقبلات الغلوتامات. وصفت ظواهر كهذه منذ آلاف السنين, و هي تتشارك بمظاهر مشتركة في مختلف الحضارات.
عادة أنت تسمع طنينا أو رنينا بينما تتحرك خلال نفق مظلم. بإمكانك أن ترى جسدك. و تقابل أرواح الأشخاص الذين تحبهم. لك لقطات من حياتك السابقة و تشعر بمتعة و لكنك في نهاية الأمر تبتعد عن الضوء و تعود إلى الأرض.
الكثير من الأشخاص يعتبرون تجارب القرب من الموت على أنها دليل على الحياة بعد الموت, و لكن عالمة النفس البريطانية سوزان بلاكمور و آخرين حاولوا تفسير هذه الظواهر عبر علم النفس. النفق و الضوء ربما يكونون ناتجين عن قلة الأوكسجين في مركز الرؤية في الدماغ. النشاط الغير طبيعي في فصوص الدماغ الزمنية يمكنها أن تسبب مشاهد من الماضي. الإحساس بالمتعة ينتج عن إطلاق هرمون الإندروفين. بعد العودة إلى الحياة, الأشخاص الذين مروا بهذه التجربة يدعون أحيانا بأنهم شهدوا أحداثا ً تحدث حولهم عندما كانوا ميتين سريريا,ً هذه الأشياء قد تكون ناتجة عن تخمينات مدعومة بمعلومات سمعوها أو ذكريات كاذبة.
تجربة الخروج من الجسد يمكنها أن تحدث بشكل مستقل عن تجربة القرب من الموت, في نقطة ما تحدث هذه التجربة لنسبة أشخاص صحيحين تتراوح بين 5 إلى 20 بالمئة.
أغلب الباحثين يؤمنون بأن هذه التجربة تحدث عندما لا نستطيع دمج كافة المعطيات عن موضعنا في المكان – الرؤية, اللمس, التوازن, و الإحساس بوضعية الجسد. الضرر أو التحفيز الإلكتروني لنقاط الإتصال الصدغية, و هي مناطق دماغية تربط هذه الإحساسات ببعضها, غالبا ًيمكنا أن تحدث هذه التجربة.
و حديثاً, أظهر جيسون بريثوايت في جامعة بيرمينغهام أن الأشخاص الذين يتعرضون لتجربة الخروج من الجسد ( إن تعرضت لهذه التجربة فأنت أكثر قابلية لأن تتعرض لهذه التجربة مرة أخرى ) لديهم فرط استثارية قشرية أعظم من الطبيعي, و هذا يعني أن موجات النشاط في الدماغ تطلق بشكل أسهل. هذا النشاط بإمكانه أن يشوه الإدراك الحسي.
عالم الأعصاب كيفن نيلسون يجادل بأن تجارب الخروج من الجسد و القرب من الموت يمكنها أن تنتج عن شذوذات في نظام الإستثارة, و الذي يتحكم بحالة الوعي لدينا. و أظهر كيفن أن الأشخاص الذي مروا بتجارب شاذة كهذه يبلغون أيضا ًعن تداخلات أكثر في الحركة السريعة للعين – حالة الحلم التي نمر فيها أحيانا ًحينما نكون بين النوم و بين اليقظة.
ويللوبي بريتون من جامعة براون أظهر أن من مروا بهذ التجارب ليس لديهم مشكلة في قدراتهم على التأقلم. “هناك ميل للتعاطف مع التجارب الغير مألوفة أو التجارب الدينية” يقول بريتون
“من السهل القفز إلى النتيجة الغير موجودة و التي تقول بأن عقولهم فاسدة و أنهم مجانين, و لكن القدرة الإيجابية للتأقلم الظاهرة في هذه التجارب تقترح بأنهم صحيحون نفسيا”.
بام باريت قد تجادل بأن تجربتها قد رفعت حتى من صحتها العقلية. فيما بعد, ذكرت في مؤتمر أنها ” تعلمت أن تتوقف عن إصدار الأحكام و أن تبدأ بفعل ما هو صحيح في الحياة”.
الإتصال مع الأرواح
في آذار 1994, ستيفين يونغ خضع لمحاكمة في انجلترا لجريمته البشعة بقتل هاري و نيكولا فوللر. هيئة المحلفين أعادت الحكم بأنه مذنب في اليوم الثاني من المداولات, و لكن ليس قبل التداول مع شبح هاري.
في ليلة اليوم الأول للمداولات, أربعة من المحلفين قاموا بتجربة لعبة الويجا لتحضير الأرواح في غرفة الفندق. قامت روح فوللر بالانضمام لهم و إخبارهم بأن يونغ قد قتله و أن عليهم أن يصوتوا بأنه مذنب. ” لقد كنت أبكي في ذلك الوقت, و السيدات الآخريات كانوا منزعجين أيضاً”, كمان قالت إحدى المحلفات لاحقاً. قاموا بإنهاء اللعبة و أبلغوا عما توصلوا له لبقية المحلفين في الصباح التالي. عندما علم القاضي في النهاية ما حدث أمر بإعادة المحاكمة. تمت إدانة يونغ مرة أخرى, و هذه المرة بإستخدام الأدلة الحسية من الشهود الأحياء فقط.
وفقاً لغولاب, 32 بالمئة من الأمريكيين يدعون بأن أرواح الموتى يمكنها أن تعود, و 37 بالمئة يعتقدون بالبيوت المسكونة. بينما 16 بالمئة ليسوا متأكدين. معظم المواجهات الخارقة للطبيعة لا تقترح قصصا ً عن أشباح اخترق المنازل. بل تتألف من رؤى لأشياء في زاوية العين أو سماع أصوات غريبة في أوقات متأخرة من الليل, هذه الرؤى التي يمكن غالبا ًأن يكون مسؤولاً عنها ألاعيب الضوء أو الحيوانات الأليفة. بالإضافة لهذا, متى وضعت فكرة أنك ربما ترى أو تسمع شيئاً ما, فإن عقلك سيكون غالبا ًسعيدا ًلأن يطيع رغبتك عبر جعلك ترى هلوسات, خصوصا ًعندما تكون خائفا ًأو متعباً.
ربما يكون أكثر الدلائل قوة على هذه الزيارات ما يدعى الإحساس بالحضور – الإحساس بأن عميلا ً ما يرافقك, عادة يكون قريباً جداً منك. هذا الإحساس تم شرحه بأنه نوع من تجارب الخروج من الجسد و التي خلالها تصبح صورة جسدك مزدوجة. الباحثون اقترحوا أيضا ًبأن لدينا نظاما ًمتطورا ً للإحساس بوجود الآخرين – و عموما, فإنك غالبا ًما تكون واعياً بأن شخصا ًما قريب منك حتى بدون أن تدرك بشكل واعي الإشارات التي تستقبلها. ( أغلق عينيك بينما تجلس بقرب شخص ما لتشعر بهذا التأثير ) ربما يمكننا أن نشعر بهلوسات من هذا الإحساس.
الإحساس بالحضور غالبا ًما يظهر في البيئات و المواقف القصوى, مثلاً عندما يكون الشخص شاعرا ًببرد شديد أو منعزلاً تماما ًأو في مناطق شاهقة الإرتفاع, أو عندما يعاني المرء من الإرهاق, الخوف, الجوع, أو الرتابة.
غالباً ما يبلغ متسلقوا الجبال عن هلوسات كهذه. السير إرنست شاكلتون كتب خلال رحلة 36 ساعة إلى أنتاركتيكا : ” غالبا ما بدى لي أننا أربعة أشخاص و ليس ثلاثة ” كما أن مرافقيه شعروا بنفس الشعور. الخوف و الوحدة تبين أن كليهما يلعبان دوراً في تضخيم إحساسنا بالعملاء في محيطنا, فهذه المشاعر تضعنا في حالة من التأهب و الحذر من أي تدخل أو رفيق في محيطنا.
يؤدي الحرمان أيضاً إلى زيادة فرصة أن تتم زيارتك من قبل عميل. عندما يموت شخص ما تحبه, فإن هذه التجارب غالبا ًما تحصل خلال السنة الأولى بعد موتهم. الشركاء الذين فقدوا أحدا ًربما يرون أو يسمعون شيئاً, أو فقط يحسون بإحساس بالقرب, و هو الأكثر حدوثاً.
و في حالات أكثر ندرة, يحسون بقرب كبير جدًا: في عام 1970, اليزابيث كوبلر روس عالمة النفس نالت قسطا من الشهرة عبر نموذج المراحل الخمسة للحزن, و بعدها انسحبت إلى سان دييغو. خلال عمليات تحضير الأرواح التي أجرتها هناك, أحد الذين أدعوا أنهم محضرو أرواح و يدعى جاي براهام كان يطفئ الأضواء و يدعي بأنه روح ما عادت حتى يتسنى له ممارسة الجنس مع أرامل الأشخاص المتوفين. أحد الضحايا صرحت لاحقاً ” لقد كنت بحاجة إلى أن أصدق “.
الأشخاص العصابيين أو الانفتاحيين يشك بهم أكثر باحتمال ملاحظتهم لوجود ما. العصاب يمكنه أن يكثف عناصر الحزن, مثل القلق, حيث يشعر الأشخاص المنفتحون بحاجة أكبر ليتواصلوا بسبب التأثير الذين يحملونه على التفاعل الاجتماعي. الأشخاص المصابون بالصرع أيضا ً لديهم تجارب أكثر بالتواصل بسبب الاستثارية المفرطة في الفصوص الزمنية و التي يمكن لها أن تولد إحساسا ً بالحضور. العلماء كانوا قادرين على تقديم حضور محسوس عبر وضع مغناطيسات فوق الفصوص الزمنية لمواضيع الدراسة, مما دفع البعض ليقترح بأن الحقل المغناطيسي للأرض قد يكون كافيا ً لجعل بعض المواقع تبدو و كأنها مسكونة. الواقع أن الناس يشعرون بالحضور غالبا ً عندما يختبرون الحزن مما يقترح أن هذا التواصل مع الأرواح قد يكون أكثر من هلوسة منحرفة, ربما يكون شكلا ًصحيا ًمن أشكال التأقلم.
ميل إلى الخوارق
مالذي يعرف الأشخاص الذين يعتقدون بالتجارب الشاذة ؟
ليس كل من يؤمن بهذه الظواهر متشابهين, العديد من العوامل تم ربطها مع القناعات و التجارب الخوارقية بشكل عام. أحد هذه العوامل هو الامتصاص : الأشخاص الذين يضيعون في الخيال و في مخيلاتهم ربما يتعاملون مع مخيلاتهم كأنها حقيقية بشكل خاص. سمة أخرى هي التثبيط السلوكي المنخفض: عندما تكون شخصا مندفعاً, فأنت أقل عرضة للتحقق من التفسيرات البدئية للحوادث في الواقع. القابلية للذكريات الكاذبة تسمح لك بأن تلوي التجارب لكي تتلائم مع السرد الخوارقي.
صدمات الطفولة و تاريخ الأحداث السلبية بإمكانه أيضاً أن يزيد الإيمان بالخوارق. العالم هارفي إروين اقترح بأن الخبرات المبكرة مع قلة السيطرة تقود إلى حاجة للشعور بالسيطرة: الإيمان بالخوارق يصبح طريقة للإحساس بأحداث شاذة. و بالطبع, الرغبة بالسيطرة عامل مهم في إيجاد الأنماط. جينيفر ويتسون و آدام غالينسكي أظهرا أنه عندما يشعر موضوع ذو صحة نفسية بقلة السيطرة, فإن هذا الموضع يصبح أكثر قابلية ليرى رؤى من خلال ضجة ثلجية مرئية, ليعتمد على طقوس خرافية, و ليفسر الصدف بأنها مؤامرات.
المؤمنون ليسو بالضرورة أقل ذكاء من المتشككين. فقط أظهرت الدراسات ضعفا أو انعداما في الارتباطات مع التعلم و القدرة على التفكير المنطقي.
و من ناحية أخرى, ” هناك علاقة ضعيفة, و لكنها مستمرة بين القناعات الخوارقية و بين العديد من المقاييس النفسية لعدم التوازن, فيما إن كنت تنظر إلى ميل للاكتئاب أو الهوس و الفصام,” كما يقول كريس فرينش, رئيس قسم أبحاث علم النفس المعقد في جامعة غولدسميث في لندن. و بينما يستنتج البعض أنك إن كنت تؤمن بالقدرات الفائقة للحواس أو الأشباح فأنت مجنون, ” هذا التعريف ساذج و مبسط جداً ” كما يقول فرينش. ” هناك مواقف حيث يكون امتلاكك لهذه القناعات ذو فائدة على الصعيد النفسي” كشكل من أشكال التأقلم, مثلا.
المؤمنون بالماورائيات يظهرون أيضاً العديد من السمات التي قد تعتبر إيجابية : فهم حدسيون أكثر, منفتحون أكثر على التجارب, و باحثون عن الأحاسيس. عالمة النفس سوزان بلاكموري و التي انتقلت من كونها مؤمنة إلى مشككة, رأت جانبي الطيف. تقول أنها الشخص الوحيد الذي كان عضوا في مجمع الأبحاث النفسية و لجنة المشككين للتحقيق. ” يمكنني أن أقول لك بأن مؤتمرات المؤمنين تقيم حفلات أفضل بكثير.
نقاش
Powered by Facebook Comments